أحمد عبد الرؤوف يكتب: سلاح لن تستخدمه إسرائيل

أحمد عبد الرؤوف
أحمد عبد الرؤوف

على مدار 75 عاما منذ إعلان قيام إسرائيل على أرض فلسطين التاريخية، وحتى قبلها، استخدم مغتصبو الأرض شتى أنواع الأسلحة ضد أصحاب الأرض.

حين بدأت تزحف موجات المهاجرين اليهود على فلسطين بعد وعد بلفور المشئوم عام 1917 - وعد من لا يملك لمن لا يستحق - كانت بنادق الغدر في انتظارهم لاغتيال مسالمين عزل يعيشون ويزرعون أرضهم منذ آلاف السنين وإجبارهم على ترك الأرض.

في تلك الفترة وحتى إعلان إقامة إسرائيل عام 1948 ارتكبت العصابات الصهيونية– قبل وجود جيش إسرائيلي - جرائم مروعة كانت غايتها في نهاية المطاف تهجير الفلسطينيين من أرضهم والتهام هذه الأرض غصبا واحتلالا.

لم تتوقف جرائم إسرائيل عند هذا، بل اتسعت وتوحشت قتلا وتشريدا وتهجيرا ومصادرة للأراضي واعتقالا وتضييقا وتجويعا وتعذيبا وترهيبا وحصارا، ولم يسلم منها أطفال ولا نساء ولا عجائز ليلا ولا نهارا ولا صيفا ولا شتاء.

طال ارتكاب هذه الجرائم أياما وأسابيع وشهورا وسنين وعقودا، وصولا إلى مذابح يندى لها الجبين وتدمع لها القلوب والعيون في عدوان غاشم على غزة الصابرة الصامدة.
لم تستوعب إسرائيل الدرس الموجع الذي لقنه لها أبطال مصر في حرب أكتوبر عام 1973، بعدما افترس أسود الجيش المصري جنودها وطاردوهم في سيناء كالفئران المذعورة بعدما احتلوها عام 1967.

ورغم الانتصار المبهر للجيش المصري، وتحطيمه وهم (الجيش الذي لا يُقهر) وإنزاله هزيمة منكرة بدولة الاحتلال، بادرت مصر بالسلام في خطوة شجاعة أقدم عليها الرئيس الراحل أنور السادات بطل الحرب والسلام.

جنحت مصر إلى السلم وهي في أوج انتصارها وبعد تحرير الضفة الشرقية للقناة بالكامل وإعادة فتح قناة السويس أمام الملاحة الدولية.

لم تشأ مصر أن تبقى في حالة حرب، بل أرادت بعد محو عار الهزيمة أن تتفرغ لمعركة البناء والتنمية، وأن تجرب سلاح السلام، أملا في خلق حالة تعايش سلمي بين كل شعوب المنطقة، كعهد مصر دائما، ملاذ الخائفين والمستضعفين، وواحة السلام والنور في المشرق على اتساعه.  

لكن إسرائيل التي ترتكب الآن أبشع الجرائم في غزة والضفة، لم يخطر ببالها أن تفكر يوما في السلام.

مد العرب والفلسطينيون أيديهم إلى السلام في مرات لا تعد ولا تحصى، وكان الرد الإسرائيلي دوما على رفع أغصان الزيتون بسفك الدماء وإزهاق الأرواح.

وهي الآن تظن واهمة أن باستطاعتها القضاء على شعب فلسطين والتخلص من قضيته نهائيا بالتمادي في هذه الجرائم لدفع الناس إلى تهجير جديد أو نكبة ثانية، ولا تجد بين نخبتها السياسية صوتا يعتد به يطلق صرخة سلام وسط هذا البحر الجاري من دماء الضحايا.

لكن بعدما كشر الأسد المصري عن أنيابه ورفض تصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير، ارتبكت حسابات جيش الاحتلال، الذي ما زال بعدوانه على غزة يحاول التغطية على فشله الذريع يوم 7 أكتوبر 2023، ووسط هذا الارتباك يتمادى في ارتكاب جرائم بالغة البشاعة بعدما أخفق إخفاقا مدويا في طرد الفلسطينيين مرة أخرى من أرضهم، أمام صمود أسطوري من أهل غزة في التمسك بالأرض، وأمام وقفة مصرية جسورة في وجه مخططات الاقتلاع والتهجير. 

لقد جربت إسرائيل كل أسلحتها الفتاكة ضد شعب أعزل بلا جيش ولا سلاح ولا دولة، لكنها لم تجرب سلاح السلام والتعايش وإعطاء الحقوق لأصحابها.

وما دامت دولة المحتلين لا تعي الدرس ولا تجنح للسلم، ومهما أمعنت في القتل وإراقة الدم، فإنها لن تنال الأمن الذي تريد.